قصيدة العظمة

قصيدة للشيخ عائض القرني

لك الحمد يا غفار ما هل صيب وما تاب يا من يقبل التوب مذنب

لك الحمد ما حج الحجيج وما جرت دموع وشع النجم أو لاح كوكب

لك الحمد حمداً يملأ الأرض والسما كثيراً غزيراً ما يعد ويحسب

لك الحمد ما هاج الغرام وما همى الـ ـغمام وما غنى الحمام المطرب

لك الحمد ما حل الهناء وما سرى نسيم الصبا أو سال واد وأشعب

فلولاك ما هاجت شجوني ولا رنت عيوني ولا خدي بدمعي مخضب

فأنت الذي من جود يمناك عدتي وزادي وفيك المدح يحلو ويعذب

إليك يساق الشكر في كل لمحةٍ ويزدان شرق بالثناء ومغرب

وعنك روى الركبان كل محاسنٍ وقلبي في أفياء ذكراك مخضب

فوالله لو صغنا من الدمع قصة تدبج بالحمد الجزيل وتكتب

ولو نسجت أعصابنا في مديحكم وسال دم بالحب يهمي ويسكب

وسرنا على أجفاننا ووجوهنا على وهج الرمضاء فيك تقلب

وقد مزقت منا الرمال خدودنا على النار نشوى أو على الشوك نسحب

لما بلغ المثنون بعض جلالكم ولا أدركوا بعض الذي لك يوجب

وتالله لو أن السماء صحيفة بها الشكر يروى والثناء يرتب

وأشجارنا الأقلام والبحر حبرنا ونحن طوال الدهر نملي ونكتب

لما بلغوا في كنه شكرك ذرة ولو دبجوا فيك المديح وأغربوا

إليك وإلا لا تسير ركابنا ومنك وإلا فالمؤمل أخيب

وفيك وإلا فالغرام مضيع وعنك وإلا فالمحدث يكذب

رضاك وإلا فالنفوس مهانة وأنت وإلا ما لغيرك مذهب

وحبك أغلى كل حب ومنية وتهجر فيك النفس والأم والأب

نتوب فعاملنا بلطف ورحمة فحلمك مبسوط وفضلك أرحب

عسى دمعنا يسقي الثرى في سبيلكم وأعناقنا في نصر دينك تضرب

فوالله إن الجهد فيك موفق ووالله إن القتل فيك محبب

ووالله إن العيش فيك مبارك وفي غيركم بؤس كريه معذب

ووالله لم نخظئ سبيلك منيةً ولسنا لبغض في مرادك نذنب

ولكن إبليس الضلالة قادنا ومزقنا ناب وفك ومخلب

فما حيلتي إن لم تغثني برحمة وواحسرتي إن رد لي فيك مطلب

إلى من نرد الأمر إن خاب سعينا ومنك إلى من نستجير ونهرب؟

وإن رجائي فيك أنجح مطلب إذا سد درب أو تحطم مركب

فكل ديار الناس إلا دياركم خراب وقيعان وقفر وسبسب

وكل حبال قطعت غير حبلكم وكل أمان غير أمنك مرعب

وكل بيوت غير بيتك أوحشت بها الربع خاوٍ والمحبون أجدبوا

وأبواب كل الناس بالبخل أوصدت وبابك مفتوح وسيع مرحب

وعاد إليك السائلون برغبة وقد عرفوا مغنى سواك وجربوا

إذا كان مدحي في سواك تثاقلت قوافي واستعصى اليراع المدرب

وذابت حياءً مهجتي وحشاشتي تقول أفي غير المهيمن ترغب؟

فأبقى حسيراً كاسف القلب خائباً قلاني صديقي والعدو المثرب

ويرهقني تعنيف قلبي وأنثني وجاهي مكسور وكفي مترب

وإن جئت أروي فيك حبي ومدحتي تزاحم غيث الفكر وانهل صيب

وسحت دموع العين تعلن حبها بصادق وبلٍ فيضه ليس ينضب

فخذ هامتي مهراً لحبي ومهجتي فداءً فما لي عن رحابك مذهب

لعلك ترضى إن رأيت صبابتي ووجهي بسربال الحياء محجب

وبي ندم لولا رجائي ومطمعي لفضلك أضحى فيك قلبي يشذب

تعاليت عمن شبهوك وقدست صفاتك يا من جوده لا يغيب

تباركت يا من أنزل الغيث والهدى فذكرك للأرواح أحلى وأطيب

فأنت الذي في الغار أمنت أحمداً وخيبت أهل الشرك حين تحزبوا

وشاكوا سلاح الموت إما مهند تقاطر موتاً أو حديد مذرب

فأوليته نصراً عزيزاً مؤيداً وصار حديث الدهر يقرا ويكتب

وسلمت إبراهيم والنار أوقدت فصار سلاماً حرها المتلهب

وأيدت موسى إذ قصمت عدوه وقد كان في دنياه يلهو ويعلب

وأنت الذي آوى ابن مريم سالماً وكل عداه مبغض ومؤلب

وأنت الذي أنجيت في الحوت يونساً وقد فر من أوطانه وهو مغضب

فيا ملكاً قد طبق الكون ملكه وخرت له الأجسام رأس ومنكب

سألناك لا تغضب علينا وعافنا فوالله إنا من عذابك نرهب

غني لو أن الخلق جاءوه كلهم وكل له شكوى وسؤل ومطلب

لأغناهم من واسع الجود والعطا ولو أكثروا مما أرادوا وأطنبوا

قوي إذا ما شاء أمراً أتمه عليم فلا يخفى عليه المغيب

عظيم له الأملاك تعنو مهابةً رحيم فلا يقنط من العفو مذنب

هو القادر العالي على كل خلقه حِمى كل ملك دونه متذبذب

حليم يؤم المخطئون رحابه ورحمته كبرى وجدواه أرحب

فأعداؤه يرجون سيب نواله وقد أعرضوا عن دينه وتنكبوا

تعالى عن الأنداد ليس كمثله وجل عن الأضداد رحماه أقرب

له ذلنا والكبرياء رداؤه يسبحه طفل وكهل وأشيب

هو الحي والأحياء موتى ومجده عظيم ومجد الهالكين سيخرب

دعاه رجال الغار والكرب حاضر ووجه المنايا ساء والليل غيهب

ففرج عنهم كربهم وأغاثهم وكربهم يزداد هولاً ويصعب

وسلم أهل الكهف من مكر قومهم حديثهم من كل ما قيل أعجب

وقال لموسى اذهب لفرعون قل له: تطاولت يا هذا السفيه المكذب

وقولا له قولاً رقيقاً وليناً لعل أخا الطغيان في الأرض يرهب

وباسمك أجرى بالعصا الماء صافياً وقال لهم هذا من الله فاشربوا

وجاءك سفاك يخضب سيفه دما مائة، بل هم من السيف خضبوا

أتى تائباً يرجوك غفران ذنبه فأصبح في جنات عدن يقرب

وجاءتك من باءت بإثم وزلة فطهرها المختار والروح تسلب

فألبستها ثوباً من الحلم واسعاً كتوبة سبعين تجنوا وأذنبوا

مَن العدل إلا أنت يا خير حاكمٍ من الحق إلا أنت حقك أوجب؟

وضعنا لترضى الوجه في الطين ساجداً وليس لنا في غير ساحك مطلب
أفي الخلق خير كي يرجى صنيعهم وما فيهم إلا ختول وأجرب؟

هم الضعف والخذلان والفقر والضنا ولو حشدوا في النائبات وأجلبوا

هم غاية التقصير والجهل والخطأ وبرقهم يوم المخيلة خلب

ونحن قصدنا جاهكم ورحابكم لترضى ولو أن البرية تغضب

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك